فصل: (مسألة:مقدمات الجماع حال الإحرام)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة:جماع الصبي غيره في الإحرام]

وإن وطئ الصبي في إحرامه قبل التحلل عامدا، فإن قلنا: إن عمد الصبي خطأ
فهل يفسد حجه؟ على قولين، وإن قلنا: إن عمده عمد.. فسد نسكه؛ لأن من صح إحرامه.. فسد بالوطء كالبالغ، ووجبت الكفارة، وعلى من تجب؟ فيه وجهان وقيل: قولان:
أحدهما: تجب في ماله.
والثاني: على وليه. وقد مضى ذكرهما.
فإن قلنا يفسد حج الصبي بالوطء.. فهل يجب عليه القضاء؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يجب؛ لأنه عبادة بدنية، فلم تجب على الصبي كالصوم والصلاة.
والثاني: يجب؛ لأن من فسد الحج بوطئه.. وجب عليه القضاء، كالبالغ.
فإذا قلنا بهذا: فهل يصح منه القضاء في حال الصغر؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يصح؛ لأنه حج واجب، فلم يصح من الصبي، كحجة الإسلام. والثاني: يصح؛ لأنه يصح منه أداؤه، فصح قضاؤه، كالبالغ.

.[فرع: جماع العبد في الإحرام]

وإن وطئ العبد في إحرامه عامدا قبل التحلل.. فسد نسكه بلا خلاف، كالحر، وهل يجب عليه القضاء؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجب عليه؛ لأنه حج واجب، فلم يجب عليه، كحجة الإسلام.
والثاني: يجب عليه، وهو المذهب؛ لأن الحج يجب عليه بالدخول، وهذا بدل عنه.
فإذا قلنا بهذا: فهل يصح منه القضاء في حال الرق؟ فيه وجهان كما قلنا في الصبي.
فإذا قلنا: يصح منه.. فهل للسيد منعه منه؟ ينظر فيه:
فإن دخل في الذي أفسد بغير إذنه.. فله منعه.
وإن دخل فيه بإذنه... فهل له منعه؟
إن قلنا: إن القضاء على التراخي... فللسيد منعه، وإن قلنا على الفور.. ففيه وجهان:
أحدهما: ليس له منعه؛ لأنه قد أذن له في الذي أفسده وهذا من موجب ما أذن فيه.
والثاني: له منعه؛ لأنه أذن له في الحج دون الإفساد.
فإن أعتق بعد التحلل وقبل القضاء لم يجز له أن يقضي حتى يحج حجة الإسلام. فإن أعتق قبل أن يتحلل من الفاسد... لزمه أن يقضي وجها واحدا؛ لأنه حر.. وإن كان عتقه قبل الوقوف أو في حال الوقوف.. أجزأه القضاء عن القضاء وعن حجة الإسلام؛ لأن الفاسد لو لم يفسد
لأجزأه عن حجة الإسلام، فكذلك ما قام مقامه... وإن كان عتقه بعد الوقوف في الفاسد
لم تجزه حجة القضاء عن حجة الإسلام؛ لأن الفاسد كان لا يجزئه عن حجة الإسلام وإن لم تفسد، فكذلك ما قام مقامه.

.[مسألة:تكرار الجماع قبل التحلل]

وإن وطئ الرجل قبل التحلل، ثم وطئ ثانيا... نظرت: فإن كفر عن الأول قبل الوطء الثاني
لزمه أن يكفر عن الثاني قولا واحدا؛ لأن الأول قد استقر حكمه، وفي الكفارة التي تلزمه للثاني قولان:
أحدهما: بدنة، كالوطء الأول.
والثاني: شاة؛ لأنه وطء لم يفسد به النسك، فهو كما لو وطئ، فيما دون الفرج.
وإن كان الوطء الثاني قبل أن يكفر عن الأول فهل يلزمه للثاني كفارة؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يلزمه كما لو كرر الوطء في يوم واحد من رمضان.. فإنه لا يلزمه لغير الأول كفارة.
والثاني: يلزمه لأنه وطئ في إحرام منعقد لأنه لا يخرج من الحج بالإفساد بل لو ارتكب محظورا فيه وجبت عليه فيه الفدية، كالصحيح، بخلاف الصوم.
فإذا قلنا بهذا: فهل يلزمه لكل وطء بعد الأول بدنة أو شاة؟ فيه قولان على ما مضى.

.[فرع: الجماع بين التحللين]

وإن وطئ بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني فإنه لا يفسد حجة، وبه قال أبو حنيفة.
وقال مالك، وأحمد: (يفسد ما بقي من إحرامه، فإذا فرغ منه... لزمه أن يأتي بعمرة لتكون قضاء عنه).
دليلنا: ما روي عن ابن عباس: أنه قال: (من وطئ بعد التحلل.. فحجه تام وعليه ناقة)، ولا مخالف له ولأنه وطئ بعد التحلل الأول، فلم يفسد حجه، كما لو وطئ بعد التحلل الثاني.
إذا ثبت هذا: فإن عليه الكفارة، وما تلك الكفارة؟ فيه قولان:
أحدهما: بدنة؛ لقول ابن عباس.
والثاني: شاة لأنه وطء لم يفسد به الحج، فهو كالوطء، فيما دون الفرج.
وإن أفسد القضاء.. لزمه المضي في فاسده، ولزمته بدنة، ويجزئه قضاء واحد؛ لأن القضاء الذي لزمه إنما يجزئه إذا أتى به على شرائطه، فإذا لم يأت به على شرائطه.. بقي في ذمته.

.[مسألة:الوطء في الدبر أو في الفرج بخرقة]

وإن وطئ امرأة في دبرها، أو لاط بغلام، أو أتى بهيمة.. فسد بذلك حجه ووجبت عليه الكفارة.
وقال أبو حنيفة: (لا يفسد بذلك حجه، ولا تلزمه الكفارة).
دليلنا: أنه فرج يجب بالإيلاج فيه الغسل وإن لم ينزل، ففسد الحج بالإيلاج فيه كقبل المرأة.
وإن لف على ذكره خرقة، ثم أولج في فرج.. ففيه ثلاثة أوجه، حكاها الصيمري:
أحدها: يفسد به الحج؛ لأنه أولج في فرج، فهو كما لو لم يكن عليه شيء.
والثاني: لا يفسد به الحج؛ لأن ذكره لم يباشر فرجها، فهو كما لو أولج في غير الفرج.
والثالث - وهو قول أبي الفياض، واختيار القاضي أبي القاسم الصيمري: إن كانت الخرقة رقيقة.. فسد الحج، وإن كانت كثيفة.. لم يفسد؛ لأن الرقيقة وجودها كعدمها، بخلاف الكثيفة.

.[مسألة:مقدمات الجماع حال الإحرام]

وإن قبل أو لمس أو وطئ فيما دون الفرج بشهوة.. لم يفسد بذلك حجه، ووجبت عليه شاة، سواء أنزل أو لم ينزل، وبه قال أبو حنيفة.
وقال مالك: (إن أنزل.. فسد حجه) وهي إحدى الروايتين عن أحمد.
دليلنا: ما روي عن ابن عمر وابن عباس: أنهما قالا: (إذا قبل المحرم امرأته فأنزل.. فلا قضاء عليه) ولا مخالف لهما. ولأنه استمتاع لا يجب به الحد، فلم يفسد به الحج، كما لو لم ينزل، وإنما أوجبنا الشاة: لأنه تلذذ به، فوجبت عليه الشاة كالطيب.
وإن قبل امرأته وهي قادمة من سفر أو كان مودعا لها، وقال: لم أرد الشهوة.. فلا عليه؛ لأن شاهد الحال يدل عليه. وإن قال: قصدت الشهوة.. فعليه الفدية؛ لأنه قد وجد منه الاستمتاع. وإن قال ما قصدت هذا ولا هذا.. ففيه وجهان، حكاهما الصيمري:
أحدهما: عليه الفدية؛ لأنها موضوعة للشهوة.
والثاني: لا فدية عليه؛ لأنه لم يقصد به الشهوة.

.[فرع: تكرار نظر المحرم للمرأة ونكاح اليد]

وإن كرر النظر إلى امرأة فأنزل.. فلا شيء عليه.
وحكى الشيخ أبو نصر صاحب " المعتمد " عن الحسن البصري ومالك وعطاء: أن عليه القضاء من قابل.
وعن ابن عباس في الكفارة روايتان:
إحداهما: (يلزمه بدنة).
والثانية: (شاة)، وبه قال سعيد بن جبير، وأحمد، وإسحاق.
دليلنا: أنه إنزال عن غير مباشرة، فهو كما لو فكر وأنزل.
ولو استمنى بكفه.. ففيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\213].
أحدهما: أن عليه شاة؛ لأنه إنزال عن مباشرة، فهو كما لو وطئ دون الفرج.
والثاني: لا شيء عليه، لأنه لم يشاركه في هذا غيره، فهو كما لو نظر فأنزل.

.[مسألة:جزاء الصيد ومن يحكم فيه]

إذا قتل المحرم صيدا، فإن كان له مثل من النعم من طريق الخلقة.. وجب فيه مثله من النعم. و(النعم): هي الإبل، والبقر، والغنم. وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة: (الصيد كله مضمون بقيمته).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95].
و(الهدي الذي يبلغ الكعبة): هو النعم دون القيمة.
وروى جابر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الضبع صيد، وفيه كبش إذا أصابه المحرم» فاقتضى هذا: أن الكبش هو جميع ما يجب في الضبع، ولم يفرق بين أن يكون بقيمة الضبع أو أقل.
إذا ثبت هذا: فإن كل صيد حكمت الصحابة فيه أو التابعون بأن؛ له مثلا من
النعم.. فإنه يجب ذلك المثل من غير اجتهاد فيه.
وقال مالك: (يجب الاجتهاد فيه).
دليلنا: أن الله تعالى قال: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95].
والصحابة كلهم عدول مرضيون، ولأنهم شاهدوا الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والوحي وعرفوا التنزيل والتأويل، فكان نظرهم أولى من نظر غيرهم، وذلك مثل: ما روي عن عمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وابن عباس، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وابن الزبير: (أنهم قضوا في النعامة ببدنة، وفي حمار الوحش ببقرة)، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق. قال ابن الصباغ: و(العناق): ولد المعز إذا اشتد.
وقال الشيخ أبو حامد: (العناق): السخلة من الضأن.
وقضوا: (في اليربوع بجفرة): وهي ولد المعز إذا امتلأ جوفها من الماء والشجر.
قال الشافعي: (وإذا وجب في حمار الوحش بقرة.. ففي بقرة الوحشي بقرة؛ لأنها أقرب إليها).
وعن عثمان: (أنه حكم في أم حبين بحلان). و(أم حبين) هي: دابة
منتفخة البطن، سميت أم حبين؛ لانتفاخ بطنها، وهي تصغير (حبن) وهو: الذي استسقى وانتفخ بطنه، وأما (الحلان) فهو: الحمل.
وقال الأزهري: هو الجدي، وفيه لغة أخرى: حلام بالميم. قال الشاعر:
كل قتيل في كليب حلام ** حتى ينال القتل آل همام

وعن مجاهد وعطاء: أنهما حكما في الوبر بشاة.
قال الشافعي: (إن كان الوبر تأكله العرب.. ففيه جفرة؛ لأنه ليس بأكبر بدنا منها).
وقال ابن الصباغ: (الوبر) هي: دويبة مثل الجرذ، إلا أنه أنبل منها وأكرم، وهي: كحلاء طحلاء من جنس بنات عرس.
قال الشافعي: (وفي الثعلب شاة)؛ لأنه روي ذلك عن بعض التابعين.
وأما الوعل: فقال ابن الصباغ: إن فيه بقرة. وحكى الصيمري: أن فيه تيسا. وفي الضب جدي؛ لما روي عن طارق بن شهاب: أنه قال: (خرجنا حجاجا، فوطئ رجل منا - يقال له: أربد - ضبا، ففرى ظهره، فقدمنا على عمر فسأله، فقال له عمر: احكم يا أربد فيه، فقال: أنت خير مني يا أمير المؤمنين وأعلم. فقال له عمر: إنما أمرتك أن تحكم به، ولم آمرك أن تزكيني. فقال أربد: أرى فيه جديا قد جمع الماء والشجر. فقال عمر: فذلك فيه). وأما ما لم يحكم فيه الصحابة والتابعون: فإنه يرجع في معرفة مثله من النعم إلى ذوي عدل من المسلمين، فيلحقانه بما هو أقرب إليه من الأجناس الثلاثة.
قال الشافعي: (وأحب أن يكونا فقيهين). وهل يجوز أن يكون أحدهما هو القاتل؟ وإن اشترك اثنان في قتل الصيد.. فهل يجوز أن يحكما على أنفسهما؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه يجوز، وهو المنصوص؛ لحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حيث جوز لأربد أن يحكم على نفسه وإن كان قاتلا، وحكم عمر معه بذلك. ولأنه مال يخرج في حق الله سبحانه وتعالى، فجاز أن يكون من وجب عليه أمينا فيه كالزكاة.
والثاني: لا يجوز، وبه قال مالك؛ لأنه متلف، ولم يرجع إليه في تقويمه، كقيم المتلفات.

.[فرع: الصيد من صغار الحيوان وفداء الذكر بالأنثى وعكسه]

ويجب في صغار ما له مثل من النعم صغير مثله من النعم.
وقال مالك: (يجب في صغار الصيد كبير من مثله من النعم).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95].
ومثل الصغير صغير. ولأن ما ضمن باليد والجناية.. اختلف في ضمانه الصغير والكبير، كالعبد والبهيمة.
قال الشافعي: (ويفدي الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى).
وإن قتل صيدا ذكرا، وأراد أن يفديه بأنثى من مثله.. قال الشافعي: (كان أحب إلي).
واختلف أصحابنا فيه: فمنهم من قال: فيه قولان:
أحدهما: لا يجوز؛ لأنها ليست بمثل له.
والثاني: يجوز، كما لو وجب عليه في الزكاة إخراج ذكر، فأخرج أنثى من سنه. وقال القاضي أبو حامد: إن أراد الذبح.. لم يجز؛ لأن لحم الذكر أطيب من لحم الأنثى. وإن أراد التقويم.. جاز؛ لأنها أكثر قيمة.
وقال الشيخ أبو حامد: يجوز قولا واحدا؛ لأن لحم الأنثى أرطب من لحم الذكر.
ومنهم من قال: إن كانت الأنثى لم تلد... قامت مقام الذكر، وإن كانت قد ولدت، فلا.
ومنهم من قال: إن قتل ذكرا صغيرا.. جازت الأنثى الصغيرة، وإن قتل ذكرا كبيرا.. لم تجزئ الأنثى الكبيرة.
وإن قتل أنثى من الصيد، وأراد أن يفديها بذكر من مثلها.. ففيه وجهان، حكاهما الشيخ أبو حامد:
أحدهما: يجزئه؛ لأن الذكر أكثر لحما من الأنثى.
والثاني: لا يجزئه؛ لأن الأنثى أرطب لحما من الذكر، فهي أفضل منه.

.[فرع: قتل الصيد المعيب]

وإن قتل صيدا معيبا، ففداه بمعيب من مثله من النعم.. أجزأه، إلا أن يختلف العيبان، مثل: أن يكون الصيد أعور والمثل أعرج.. فلا يجوز.
فإن فدى الأعور من اليمين بالأعور من اليسار.. جاز؛ لأن التفاوت يسير.
وقال مالك: (إذا قتل صيدا معيبا.. فداه بمثله صحيحا).
دليلنا عليه: ما مضى في الصغار.

.[فرع: صيد الماخض]

ذكر الشيخ أبو حامد: أن الشافعي قال: (إذا قتل صيدا ماخضا.. فداه بمثله من النعم ماخضا).
وذكر ابن الصباغ: أن الشافعي قال في " الجامع الكبير ": (أنه يضمنه بقيمة شاة ماخض).
قال الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ: لا يخرج الماخض إلى المساكين؛ لأنها أقل لحما من الحامل، وإنما تجب قيمتها؛ لأن الحمل في الصيد زيادة، وهو كذلك في الشاة، إلا أنه ينقص من لحمها، فأوجبنا القيمة؛ لتحصل الزيادة.
قال ابن الصباغ: وليس لهذه المسألة نظير.

.[مسألة:التخيير في فدية صيد له مثل وتقويمه]

إذا قتل صيدا له مثل من النعم.. وجب عليه المثل، وهو بالخيار: بين أن يخرج المثل فيذبحه ويفرقه على المساكين، وإن ملكهم إياه مذبوحا.. جاز؛ لأن الذبح واجب عليه. وإن شاء قوم المثل من النعم. لا الصيد نفسه - بدراهم، ثم اشترى بالدراهم طعاما، وتصدق بالطعام على المساكين. وإن شاء صام عن كل مد يوما.
وتعتبر قيمة المثل حال ما يعدل إلى التقويم لا حال الإتلاف. هذا مذهبنا.
وقال ابن سيرين، والحسن، وزفر، وأحمد - في إحدى الروايتين -: (هو على الترتيب، فإن قدر على المثل.. لم يجز أن يقومه، وإذا قدر على إخراج الطعام.. لم يجز له أن يصوم). وروي ذلك عن ابن عباس.
وقال مالك: (يقوم الصيد لا المثل).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95].
و(أو) - في الأمر - للتخيير.
ودليلنا - على مالك -: أن الذي يخرج هو المثل لا الصيد، فيقوم ما يخرج، لا ما لا يخرج.

.[مسألة:جرح الصيد]

وإن جرح صيدا له مثل من النعم، فنقص عشر قيمته.. فالمنصوص: (أنه يجب عليه عشر ثمن مثله). وقال المزني: عليه عشر مثله.
فمن أصحابنا من قال: الصحيح ما قال المزني؛ لأن كل جملة ضمنت بالمثل.. ضمن بعض تلك الجملة ببعض المثل، كالحبوب، وحملوا النص عليه إذا لم يتمكن من عشر مثله.
ومنهم من قال: يجب عليه عشر ثمن مثله؛ لأن إيجاب عشر المثل يشق، فعدل عنه إلى قيمته، كما (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عدل في خمس من الإبل عن إيجاب جزء منها إلى إيجاب شاة فيها).
قال الشيخ أبو حامد: ويكون بالخيار - في عشر ثمن المثل - بين أربعة أشياء:
أن يتصدق على المساكين، أو يشتري به جزءا من مثل ذلك الصيد ويخرجه إلى المساكين، أو يشتري به طعاما ويتصدق به، أو يصوم عن كل مد يوما. وإنما زدنا هنا تخييرا رابعا، بأن يتصدق بالقيمة؛ لأنه يشق عليه الشراء به.

.[فرع: ضرب بطن الصيد الحامل]

وإن ضرب بطن صيد حامل.. نظرت: فإن ألقت الولد حيا، ثم ماتا.. ضمن كل واحد منهما بمثله؛ لأن الظاهر أنهما ماتا بجنايته. وإن عاشا جميعا.. فلا شيء عليه. وإن مات أحدهما.. ضمن الميت بمثله.
وإن ألقت الجنين ميتا، وعاشت الأم.. قومت الأم ماخضا، ثم قومت حائلا، وكان عليه ما بين القيمتين.
وإن ألقت الجنين ميتا، وماتت الأم.. فاختلف أصحابنا فيه:
فقال الشيخ أبو حامد: يضمن الأم بمثلها من النعم ماخضا، ويدخل أرش النقصان فيه.
وقال ابن الصباغ: يضمن ما نقص من قيمتها بوضعه لأجل الولد، ويضمن مثلها بموتها لأجلها.

.[مسألة:الصيد الذي لا مثل له وتقويمه]

وإن قتل صيدا لا مثل له من النعم.. وجبت عليه قيمته؛ لما روي عن ابن عباس: أنه قال: (إذا قتل صيدا لا مثل له من النعم.. فعليه قيمته تهدى إلى مكة).
ولأنه تعذر إيجاب المثل، فعدل إلى القيمة.
إذا ثبت هذا: فمتى تعتبر قيمته؟
المنصوص - للشافعي في أكثر كتبه -: (أنه يقوم يوم إخراج الطعام).
وقال في موضع آخر: (يجب تقويمه يوم قتل الصيد).
واختلف أصحابنا فيه: فمنهم من قال: ليست على قولين، بل هي على اختلاف حالين: فالموضع الذي قال: (تعتبر فيه القيمة يوم الانتقال إلى الطعام) إذا كان الصيد مما له مثل. والموضع الذي قال: (تعتبر فيه القيمة يوم القتل) إذا كان الصيد لا مثل له.
ومنهم من قال: أما الصيد الذي له مثل.. فلا يختلف المذهب: أن الاعتبار بقيمة المثل يوم الانتقال إلى الطعام، لا يوم قتل الصيد. وأما الصيد الذي لا مثل له.. ففيه قولان:
أحدهما: أن الاعتبار بقيمته يوم القتل؛ لأنها حالة الوجوب.
والثاني: أن الاعتبار بقيمته يوم إخراج الطعام؛ لأنها حالة أداء الكفارة وإسقاط الفرض عن الذمة، فوجب أن يكون الاعتبار بها دون ما تقدمها.
قال الشيخ أبو حامد: والصحيح: هي الطريقة الأولى وأنها على حالين.
إذا ثبت هذا: فإنه بالخيار - فيما يجب عليه من القيمة -: بين أن يشتري بها طعاما ويتصدق به، وبين الصوم عن كل مد يوما.

.[فرع: جزاء الصيد من الطيور]

وإن كان الصيد طائرا.. نظرت: فإن كان حماما.. وجب في كل حمامة شاة، وسواء في ذلك حمام الحرم والحل.
وقال مالك: (في حمامة الحرم شاة، وفي حمامة الحل قيمتها).
دليلنا: ما روي عن عمر، وعثمان، وابن عباس، وابن عمر، ونافع بن عبد الحارث: (أنهم حكموا في الحمامة بشاة).
قال الشافعي: (والحمام: ما عب وهدر). قال الشيخ أبو حامد:
و(العب): هو أن يشرب الماء بنفس واحد، و(الهدر): هو مواصلة الصوت.
وأراد به الترجيع، والتغريد، فيدخل في ذلك الحمام المعروف والقمارى والدباس، والفواخت، والعرب تسمي كل مطوق حماما.
قال الكسائي: (الحمام): هو الوحشي و(اليمام): هو المتسأنس الذي يألف البيت. قال الصيمري: فيجب الجزاء في اليمام والحمام.
قال الشيخ أبو حامد: وإنما أوجبنا الشاة في الحمامة؛ اتباعا للصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لا بالقياس. ومن أصحابنا من قال: إنها تشبه الغنم؛ لأنها تعب الماء إذا شربت فهي كالغنم. قال: وليس بشيء.
وإن كان الطائر أصغر من الحمام، كالعصافير والقنابر والبلابل والجراد.. ضمنه بقيمته.
وقال داود: (لا يجب في ذلك شيء).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95].
وذلك من جملة الصيد. فنقول: لأنه ممنوع من قتله؛ لحرمة الإحرام.. فوجب بقتله الجزاء، كالحمام.
وإن كان الطير أكبر من الحمام، كالبط، والإوز، والكركي، وغيرها من طيور الماء المأكولة.. ففيه قولان:
أحدهما: يجب في كل واحد منها شاة؛ لأنها أكبر من الحمام، فإذا وجب في الحمامة شاة.. ففي ما هو أكبر منها أولى.
والثاني: تجب قيمتها؛ لأن القياس كان يقتضي: أن يجب في الحمامة قيمتها، وإنما تركنا القياس فيها لإجماع الصحابة، وما سواها لم يجمع الصحابة فيه على شيء، فبقي على ما اقتضاه القياس.